فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لقد قلنا: إن السكن في الأرض هو أن يتبعثروا فيها؛ لأنه سبحانه لم يحدد لهم مكانا يقيمون فيه، فإذا جاء وعد الآخرة ينتقم الله منهم بضربة واحدة، ويأتي الحق بهم لفيفًا تمهيدًا للضربة القاصمة: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَمًا مِّنْهُمُ الصالحون وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك}.
وهناك فريق منهم جاء إلى المدينة المنورة ووسعتهم المدينة وصاروا أهل العلم وأهل الكتاب، وأهل الثراء وأهل المال، وأهل بنايةٍ للحصون، وحين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد معهم معاهدة. فالذي دخل منهم في الإِيمان استحق معاملة المؤمنين، فلهم ما لهم وعليهم وما عليهم، والحق قد قال: {وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159].
وقلنا إن هذه تسمى صيانة الاحتمال لمن يفكرون في الإِيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَمًا مِّنْهُمُ الصالحون وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك}. و{دون} أي غير، فالمقابل للصالحين هم المفسدون. أو منهم الصالحون في القمة، ومنهم من هم أقل صلاحًا. فهناك أناس يأخذون الأحسن، وأناس يأخذون الحسن فقط.
ويتابع الحق سبحانه: {... وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات والسيئات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: 168].
كلمة {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} هي التي جعلتنا نفهم أن قول الحق سبحانه وتعالى: أن منهم أناسًا صالحين، ومنهم دون ذلك، أي كافرون؛ لأنهم لو كانوا قد صنعوا الحسن والأحسن فقط، لما جاء الحق ب {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. أو هم يرجعون إلى الأحسن.
وبلونا أي اختبرنا؛ لأن لله في الاختبارات مطلق الحرية، فهو يختبر بالنعمة ليعلم واقعًا منك لأنه سبحانه عالم به، من قبل أن تعمل، لكن علمه الأزلي لا يُعتبر شهادة منا. لذلك يضع أمامنا الاختبار لتكون نتيجة عملنا شهادة إقرار منا علينا: {وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات والسيئات}. وسبحانه وتعالى يختبر بالنعمة ليرى أتغزنا الأسباب في الدنيا عن المُسبِّب الأعلى الذي وهبها: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى * أَن رَّآهُ استغنى} [العلق: 6- 7].
فالواجب أن نشكر النعمة ونؤديها في مظان الخير لها. فإن كان العبد سيؤديها بالشكر فقد نجح، وإن أداها على عكس ذلك فهو يرسب في الاختبار. إذن فهناك الابتلاء بالنعم، وهناك الابتلاء بالنقم. والابتلاء بالنقم ليرى الحق هل يصبر العبد أو لا يصبر، أي ليراه ويعلمه واقعًا حاصلًا، وإلا فقد علمه الله أزلًا.
ولذلك يقول الحق سبحانه: {فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ربي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ربي أَهَانَنِ} [الفجر: 15- 16].
إننا نجد من يقول: {ربي أَكْرَمَنِ}. ومَن يقول: {ربي أَهَانَنِ} والحق يوضح: أنتما كاذبان. فليست النعمة دليل الإِكرام، ولا سلب النعمة دليل الإِهانة. ولكن الإِكرام ينشأ حين تستقبل النعمة بشكر، وتستقبل النقمة بصبر. إذن مجيء النعمة في ذاتها ليس إلا اختبارا. وكذلك إن قَدَر الله عليك رزقك وضيقه عليك، فهذا ليس للإِهانة ولكنه للاختبار أيضًا.
ويوضح الحق جل وعلا: {كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم * وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين * وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلًا لَّمًّا * وَتُحِبُّونَ المال حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 17- 20].
أنتم لا تطعمون في مالكم يتيمًا ولا تحضون على طعام مسكين. فكيف يكون المال نعمة؟ إنه نقمة عليكم. وهنا يقول الحق: {وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات والسيئات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. ولله المثل الأعلى، نقول: إن فلانًا أتعبني، لقد قلبته على الجنبين، لا الشدة نفعت فيه، ولا اللين نفع فيه، ولا سخائي عليه نفع فيه، ولا ضنى عليه نفع فيه، وقد اختبر الله بني إسرائيل فلم يعودوا إلى الطاعة مما يدل على أن هذا طبع تأصل فيهم. اهـ.

.التفسير المأثور:

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وإذ تأذن ربك...} الآية. قال: الذين يسومونهم سوء العذاب محمد وأمته إلى يوم القيامة، وسوء العذاب الجزية.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وإذ تأذن ربك} الآية. قال: هم اليهود، بعث عليهم العرب يجبونهم الخراج فهو سوء العذاب، ولم يكن من نبي جبا الخراج إلا موسى، جباه ثلاث عشرة سنة ثم كفَّ عنه ولا النبي صلى الله عليه وسلم. وفي قوله: {وقطعناهم...} الآية. قال: هم اليهود بسطهم الله في الأرض، فليس في الأرض بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وإذ تأذن ربك} يقول: قال ربك: ليبعثن عليهم قال: على اليهود والنصارى إلى يوم القيامة {من يسومهم سوء العذاب} فبعث الله عليهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم يأخذون منهم الجزية وهم صاغرون {وقطعناهم في الأرض أممًا} قال: يهود {منهم الصالحون} وهم مسلمة أهل الكتاب {ومنهم دون ذلك} قال: اليهود {وبلوناهم بالحسنات} قال: الرخاء والعافية {والسيئات} قال: البلاء والعقوبة.
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قول الله: {وقطعناهم في الأرض أممًا} ما الأمم؟ قال: الفرق، وقال فيه بشر بن أبي حازم:
من قيس غيلان في ذوائبها ** منهم وهم بعد قادة الأمم

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} قال: بالخصب والجدب. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَمًا} الآية.
هذه الآية تدلُّ على أن المراد بقوله: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 167] جملة اليهود، ومعنى {قَطَّعناهُم} أي: فرقناهم في الأرض، وهذا يدلُّ على أنَّهُ لا أرض مسكونة إلاَّ وفيها منهم أمة، وهذا هو الغالبُ.
وقوله: {أمَمًا} إمَّا حالٌ من مفعول {قطَّعْنَاهُم}، وإمَّا مفعولٌ ثانٍ على ما تقدَّم من أنَّ قطَّع تضمَّن معنى: صَيَّر.
و{مِنْهُمُ الصَّالحُون} صفة لأمم.
وقال أبو البقاء: أو بدل منه، أي: من أمم.
يعني: أنَّهُ حالٌ من مفعول: {قطَّعناهُمْ} أي: فرَّقناهُم حال كونهم منهم الصَّالحون.
قوله: {وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك}.
{منهم} خبرٌ مقدم، و{دُون ذلك}: نَعْتٌ لِمنعُوتٍ محذوف هو المبتدأ، والتقدير: ومنهم ناسٌ أو قومٌ دون ذلك.
قال الزمخشري: معناه: ومنهم ناسٌ منحطُّون عن الصَّلاح، ونحوه: {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164].
بمعنى: مَا منَّا أحدٌ إلاَّ له مقامٌ معلومٌ.
يعني في كونه حذف الموصوفُ وأقيم الجملة الوصفية مقامهُ، كما قام مقامه الظرفُ الوصفيُّ، والتفصيل بمِنْ يجوزُ فيه حذفُ الموصوف وإقامةُ الصِّفة مقامه كقولهم: منَّا ظَعَنَ ومنَّا أقَامَ.
وقال ابنُ عطيَّة: فإن أريدَ بالصَّلاح الإيمانُ ف {دُونَ} بمعنى غير يُراد به الكفرة.
قال أبُو حيان: إن أراد أنَّ دُونَ ترادفُ غيرًا، فليس بصحيحٍ، وإن أراد أنَّهُ يلزم أنَّ من كان دون شيء أن يكون غيرًا له فصحيح، وذلك إمَّا أن يُشارَ به إلى الصَّلاح وإمَّا أن يُشار به إلى الجماعة، فإن أشير به إلى الصلاح؛ فلابد من حذفِ مضاف، ليصحَّ المعنى، تقديره: ومنهم دُون أهل ذلك الصلاح، ليعتدلَ التقسيم، وإن أُشير به إلى الجماعة، أي: ومنهم دون أولئك الصالحين، فلا حاجة إلى تقدير مضافٍ؛ لاعتدار التقسيم بدونه.
وقال أبو البقاء: دُون ذلِكَ ظرفٌ أو خبر على ما ذكرنا في قوله: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] وفيه نظر من حيث إن {دُونَ} ليس بخبر.
قوله: {وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات} أي: عاملناهم معاملة المبتلى المختبر بالحسناتِ، وهي: النِّعمُ والخصبُ، والعافيةُ، والسَّيِّئاتِ وهي الجدب، والشَّدائدُ.
قال أهل المعاني: وكُلُّ واحدةٍ من الحسناتِ والسيئاتِ تدعُو إلى الطَّاعة، أمَّا النعم فللترغيب، وأمَّا النِّقَمُ فللترهيب.
{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}: لكي يندموا ويتوبوا ويرجعوا إلى طاعة ربِّهم. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)}.
أجراهم على ما علم أنهم يكونون عليه من صلاح وسداد، ومَعَاص وفساد. ثم ابتلاهم بفنون الأفعال من محنٍ أزاحها، ومن مِنَنٍ أتاحها، وطالبهم بالشكر على ما أسدى، والصبرِ على ما أبلى، ليظهر للملائكة والخلائق أجمعين جواهرَهم في الخلاف والوفاق، والإخلاص والنفاق؛ فأمَّا الحسناتُ فهي ما يُشْهِدهم المُجْرِي، ولا يُلْهِيهم عن المُبْدي، وأمَّا السيئاتُ فالتردد بين الإنجاز والتأخير، والإباحة والتقصير.
ويقال الحسنة أن يُنْسِيَكَ نفسك، والسيئة أَنْ يُشْهِدَكَ نفسك.
ويقال الحسنات بتيسير وقتٍ عن الغفلات خالٍ، وتسهيل يومٍ عن الآفات بائن. والسيئاتُ التي ابتلاهم بها خذلانٌ حاصل وحرمانٌ متواصل. اهـ.

.تفسير الآية رقم (169):

قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان العذاب الذي وقع التأذن بسببه ممتدًا إلى يوم القيامة، تسبب عنه قوله: {فخلف} أي نشأ، ولما كانوا غير مستغرقين لزمان البعد، أتى بالجار فقال: {من بعدهم خلف} أي قوم هم أسوأ حالًا منهم {ورثوا الكتاب} أي الذي هو نعمة، وهو التوراة، فكان لهم نقمة لشهادته عليهم بقبح أفعالهم، لأنه بقي في أيديهم بعد أسلافهم يقرؤونه ولا يعملون بما فيه؛ قال ابن فارس: والخلف ما جاء من بعد، أي سواء كان محركًا أو ساكنًا، وقال أبو عبيد الهروي في الغريبين: ويقال:؛ خلف سوء- أي بالسكون- وخلَف صدق، وقال الزبيدي في مختصر العين: والخلف: خلف السوء بعد أبيه، والخلَف: الصالح، وقال ابن القطاع في الأفعال: وخَلَفَ خَلَفُ سوء: صاروا بعد قوم صالحين، وخَلَف سوء، قال الأخفش: هما سواء، أي بالسكون، منهم من يسكن ومنهم من يحرك فيهما جميعًا، ومنهم من يقول: خلف صدق- أي بالتحريك- وخلف سوء- أي بالسكون- يريد بذلك الفرق بينهما، وكل إذا أضاف، يعني فإذا لم يضف كان السكون- للفساد، والتحريك للصلاح؛ وقال في القاموس: خلف نقيض قدام، والقرن بعد القرن، ومنه: هؤلاء خلف سوء، والرديء من القول، وبالتحريك الولد الصالح، فإذا كان فاسدًا أسكنت اللام، وربما استعمل كل منهما مكان الآخر، يقال: هو خلف صدق من أبيه- إذا قام مقامه، أو الخلف بالسكون وبالتحريك سواء، الليث: خلف للأشرار خاصة، وبالتحريك ضده.
والمادة ترجع إلى الخلف الذي هو نقيض قدام، كما بنيت ذلك في فن المضطرب من حاشيتي على شرح ألفية العراقي.
ولما كان المظنون بمن يرث الكتاب الخير، فكان كأنه قيل: ما فعلوه من الخير فيما ورثوه؟ قال مستأنفًا: {يأخذون} أو يجددون الأخذ دائمًا، وحقر ما أخذوه بالإعلام بأنه مما يعرض ولا يثبت بل هو زائل فقال: {عرض} وزاده حقارة بإشارة الحاضر فقال: {هذا} وصرح بالمراد بقوله: {الأدنى} أي من الوجودين، وهو الدنيا {ويقولون} أي دائمًا من غير توبة.
ولما كان النافع الغفران من غير نظر إلى معين، بنوا للمفعول قولهم: {سيغفر لنا} أي من غير شك، فأقدموا على السوء وقطعوا بوقوع ما يبعد وقوعه في المستقبل حكمًا على من يحكم ولا يحكم عليه، وصرح بما افهمه ذلك من إصرارهم معجبًا منهم في جزمهم بالمغفرة مع ذلك بقوله: {وإن} أي والحال أنه إن {يأتهم عرض مثله} أي في الدناءة والخسة- والحرمة كالرشى {يأخذوه}.
ولما كان هذا عظيمًا، أنكر عليهم مشددًا- للنكير بقوله مستأنفًا: {ألم يؤخذ عليهم} بناه للمفعول إشارة إلى أن العهد يجب الوفاء به على كل حال، ثم عظمه بقوله: {ميثاق الكتاب} أي الميثاق المؤكد في التوارة {أن لا يقولوا} أي قولًا من الأقوال وإن قل {على الله} أي الذي له الكمال العظمة {إلا الحق} أي المعلوم ثباته، وليس من المعلوم ثباته إثبات المغفرة على القطع بغير توبة، بل ذلك خروج عن ميثاق الكتاب.
ولما كان ربما وقع في الوهم أنه أخذ على أسلافهم ولم يعلم هؤلاء به، نفى ذلك بقوله: {ودرسوا ما فيه} أي ما في ذلك الميثاق بتكرير القراءة للحفظ {والدار الأخرة} أي فعلوا ما تقدم من مجانبة التقوى والحال أن الآخرة {خير} أي مما يأخذون {للذين يتقون} أي وهم يعلمون ذلك بإخبار كتابهم، ولذلك أنكر عليهم بقولة: {أفلا تعقلون} أي حين أخذوا ما يشقيهم ويفنى بدلًا مما يسعدهم ويبقى، وعلى قراءة نافع وابن عامر وحفص بالخطاب يكون المراد الإعلام بتناهي الغضب. اهـ.